شروط تذييل الاحكام الاجنبية وفقا لقانون المسطرة المدنية

شروط تذييل الاحكام الاجنبية وفقا لقانون المسطرة المدنية

موضوع تذييل الاحكام الاجنبية بالصيغة التنفيذية

شروط تذييل الأحكام الأجنبية

تذييل الاحكام الاجنبية

المطلب الأول : صحة الحكم الأجنبي

        يبدو لنا انطلاقا من مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية لا تذيل بالصيغة التنفيذية إلا بعد التأكد من صحتها، إلا أن الإشكال الذي يطرح هل يتعلق الأمر بالصحة الشكلية أم الموضوعية أم هما معا؟ الأمر الذي أدى إلى اختلاف فقهي، حيث اعتبر الأستاذ إبراهيم بحماني أن المقصود بشرط صحة الحكم الأجنبي هو سلامة الحكم من الناحية الشكلية والجوهرية أي احترام كل من قانون المسطرة المدنية وقانون الموضوع، أما الأستاذ موسى عبود فقد اعتبر أن صحة الحكم الأجنبي تعني تأكد القاضي الوطني من تطبيق مسطرته تطبيقا سليما، فيما اعتبر البعض أن صحة الحكم الأجنبي تعني معرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم قد طبقت القانون الواجب التطبيق على النزاع أم لا، بمعنى أن التأكد من صحة الحكم الأجنبي تقتصر فقط على مظاهره الشكلية الخارجية وعدم خرقه للنظام العام.
ويبدو أن الاتجاه الثاني هو الاتجاه السليم لكون أن مراقبة القاضي للشروط الشكلية والموضوعية يلقي عبنا على كاهله، إذ يلزمه الإلمام بكافة القوانين الأجنبية المتعلقة بالموضوع وهو أمر قد يجرد مسطرة التذييل التي يكون الغرض منها هو التيسير على المغاربة المقيمين بالخارج في تنفيذ أحكامهم بالمغرب من أهميتها.

المطلب الثاني : أن يكون الحكم الأجنبي نهائيا

        ويقصد بهذا الشرط أن يكون الحكم استنفذ جميع طرق الطعن العادية وغير العادية، فلا يقبل الطعن بأي طريق من طرقها، خلاف لما عليه الأمر في بعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري والتشريع التونسي اللذان حصرا الأمر في طرق الطعن العادية، وبذلك فإنه يستلزم الإدلاء بما يفيد نهائية الحكم وعدم قابليته للطعن، من قبيل الإدلاء بشهادة من كتابة الضبط المحكمة المختصة تفيد أن الحكم أصبح نهائيا، أو شهادة التبليغ تفيد انقضاء أجل الطعن، ويعتبر هذا الشرط منطقيا إذ كيف يعقل تنفيذ أحكام أجنبية لم تكتسب قوتها التنفيذية في مكان صدورها أصلا.

المطلب الثالث : عدم مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام

        يعتبر شرط عدم مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام من أهم الشروط المطلوبة في تنفيذ الأحكام الأجنبية وأكثرها إثارة للنقاش، انطلاقا من كون النظام العام من المفاهيم القانونية الغامضة، كما يعتبر مسألة نسبية تتغير بتغير الزمان والمكان، فما يعتبر من النظام العام في بلد معين قد لا يعتبر كذلك في بلد أخر، وما يعتبر مخالفا للنظام العام في زمن معين قد لا يعد من النظام العام في زمن أخر.
فالنظام العام لا يخضع لمعيار ثابت، ويمثل صمام أمان لحماية المبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع، كما يعتبر الأداة الفنية التي يمكن بها استبعاد تطبيق القانون الأجنبي حين يتعارض مضمون هذا القانون الأجنبي مع المبادئ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في بلد القاضي، وفي مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية فإن دور هذه الأداة هو منع تنفيذ الحكم الأجنبي المتعارض مع هذه المبادئ.
ویری بعض الفقهاء أنه لا يوجد تحديد واضح للنظام العام لأنه فكرة تختلف باختلاف البلدان والأزمان، ثم إن فكرة النظام العام تختلف في العلاقات الدولية عنها في دولة القاضي، وذهب البعض الآخر إلى أن وظيفة النظام العام لم تعد تتمثل في ضرورة حماية المصالح العليا للمجتمع فحسب ولكن أصبح حاليا ينصب حول حماية التضامن الدولي وتنمية العلاقات الخاصة بين الأمم والشعوب خاصة الجالية المقيمة بالخارج.
ومن هذا المنطلق فقد دأب الفقه على تقسيم النظام العام إلى قسمين، نظام عام داخلي ونظام عام دولي، حيث أن الأول يعني مجموعة من القواعد التي لا يحق للأفراد الاتفاق على مخالفتها استنادا على مبدأ سلطان الإرادة، بينما يتجسد الثاني في الشعور بالانتماء الديني أو السياسي أو الاجتماعي الذي يتجاوز حدود القطر الواحد، وفي هذا الإطار يقول الباحث الفرنسي برنارد أودي (bernard audit) ) إن الحكم الأجنبي يكون مخالفا للنظام العام بمجرد تعارض مقتضياته مع السياسة التشريعية لدولة ما".
وقد عرف النظام العام في القانون الدولي الخاص المغربي عدة تطورات ابتداء من فترة الحماية الفرنسية حيث كان الفقه الفرنسي يرفض أن يكون للنظام العام المغربي أي دور في تنازع القوانين في مجال الأحوال الشخصية، بعلة ضرورة عدم المس بمبدأ القوانين من جهة وعدم وجود قانون مغربي موحد في ميدان الأحوال الشخصية يمكن اللجوء إليه لتعويض القانون الأجنبي عند الاقتضاء من جهة ثانية، إذ لم يكن المشرع الذي وضع ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب مغربيا وكانت المحاكم التي تطبقه فرنسية، وبعد الاستقلال فقد أكد بعض الفقهاء الفرنسيين ومن بينهم بوريلي على أن النظام العام المغربي لا يمكن أن ينبع إلا من مصادر دولية وبالضبط من المبادئ المضمنة في إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948، ومع صدور مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 أصبحت هذه الأخيرة بموجب الفصل الثالث من ظهير الجنسية لسنة 1962 تطبق على كل المغاربة باستثناء اليهود الذين تطبق عليهم الأعراف العبرية المغربية، وبصدور قانون 25 يناير 1965 الخاص بتوحيد القضاء ومغربته أصبحت المحاكم موحدة ولم يعد التمييز في المقاضاة أمام المحاكم حسب جنسية الشخص وعقيدته، ومع صدور الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 والذي يعتبر المحدد الأساسي لمضمون النظام العام، ومنه تستمد القواعد القانونية مشروعيتها فهو يضمن حماية الإرادتين، فمن جهة يحتل الدين الإسلامي مكانة الصدارة ومن جهة أخرى يتضمن تعهد المغرب بالتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وهكذا أصبح النظام العام في الدستور قائما على أسس اقتصادية واجتماعية وسياسية وخاصة على مبادئ الشريعة الإسلامية.
وفي هذا الإطار فإن الحكم الأجنبي يكون متعارضا مع النظام العام المغربي إذا مس بما نص عليه دستور المملكة من حيث احترام مقومات الأسرة ونظام الملكية أو إذا تعارض مع حكم صادر عن المحاكم المغربية ولم يكتسب بعد الدرجة النهائية لأن حجية الشيء المقضي به تعد من القواعد الأساسية التي تقوم عليها سياسة الدولة.
وقد يكون الحكم الأجنبي ماسا بالنظام العام المغربي إذا كانت الإجراءات التي اتبعت في إصداره قد أخلت بحقوق الدفاع أو بضمانة من الضمانات الأساسية التي تكفل نزاهة الحكم وعدالته، وعلى هذا الأساس يمنع على القاضي المغربي أن يستجيب لطلب دعوى تنفيذ حكم أجنبي إذا ثبت لديه أن هذا الحكم قد صدر عن قاضيين في الوقت الذي يشترط فيه قانون المحكمة التي أصدرته أن تكون هيأة المحكمة مشكلة من ثلاث قضاة أو إذا كان الحكم قد صدر دون أن يحدد عن وجه الدقة الطرف المحكوم عليه أو الطرف الذي صدر الحكم لصالحه.

إقرأ أيضا :