الصلح كبديل للدعوى العمومية في التشريع المغربي
موضوع الصلح كبديل للدعوى العمومية في التشريع المغربي
الصلح كبديل للدعوى العمومية في التشريع المغربي
فبمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية حاول المشرع المغربي، شأنه في ذلك شأن غالبية التشريعات المقارنة المتقدمة ،230 استحداث أسلوب إجرائي جديد لتطويق التراكمات السلبية لظاهرة تراكم القضايا الجنحية البسيطة، وتقديم بديل ناجع في سياق تحقيق عدالة تصالحية، وفق منهجية إجراءاتية متحضرة، تهدف بالأساس إلى إعادة صياغة مفهوم تحريك الدعوى العمومية، بما يحافظ على إيجابياته كمناط لضبط العلاقات الاجتماعية و الحفاظ على الأمن والنظام العام. ومن خلال ما سبق، يتضح أنه يلزم لسلوك مسطرة الصلح طبقا للمادة 41 من ق م ج، توافر مجموعة من الشروط الموضوعية والتنظيمية ستتناولهما من خلال المطلبين التاليين .
المطلب الأول : الشروط الموضوعية لمسطرة الصلح وفق مقتضيات المادة 41 من ق.م.ج
لسلك مسطرة الصلح التي خولها المشرع لمؤسسة النيابة العامة، ينبغي توافر الشروط الموضوعية التالية:
1-تعلق محل الجريمة، موضوع الصلح بفعل جرمي يعاقب عليه القانون بعقوبة سالبة للحرية لا يتجاوز حدها الأقصى سنتين حبسا، أو بغرامته المالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم.
2-أن يكون الفعل الجرمي موضوع مسطرة الصلح ثابتا في حق المشتكى به أو المشتبه فيه بوسائل الإثبات المتعارف عليها في الميدان الجنائي، طبقا للمادة 286 من ق م ج ، کا عتراف الظنين المضمن بمحضر الشرطة القضائية والذي يؤخذ بحجيته طبقا الفصل 290 من في م ج أو شهادة الشهود أو محضر المعاينة الميدانية اللبولية، إلى غير ذلك من وسائل الإثبات التي تمنح للنيابة العامة، بما لها من سلطة الملاءمة، أهلية إثارة المتابعة، أما في حالة العكس التي يثبت من خلالها أن المسطرة المعروضة على انظار ممثل النيابة العامة مالها الحفظ، إما للإنكار أو انعدام الإثبات الجنائي، أو لسبقية إنجاز بحث تمهيدي ومسطرة قضائية بشان نفس النازلة، أو لكون النزاع يكتسي في جوهره صبغة مدنية، فإنه يقصد وجوبا مفعول مسطرة الصلح بصرف النظر عن موافقة الأطراف واستعدادهم للتصالح الجنائي من عدمه.
3-ضرورة توافر رضا الأطراف المتخاصمة على الصلح، والموافقة المبدئية لمؤسسة النيابة العامة في شخص وكيل الملك على أطوار الصلح ومضمنه، ما لم يتنازل الطرفان أو أحدهما عن ذلك، مع تضمين الاتفاق الودي المتضمن للصلح وتفاصيله في محضر قانوني، غير أن الصياغة الواردة بالمادة 41 من ق م ج، تطرح على مستوى التطبيق العملي، إشكالية حول الطبيعة القانونية للصلح، ذلك أن هذا الأخير رغم تعلق الفعل الجرمي بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل، أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، فإنه يبقى رغم ذلك، متوقفا على الموافقة المبدئية لوكيل الملك.
4-تذييل محضر الصلح بالموافقة النهائية لرئيس المحكمة: ذلك أن مؤسسة النيابة العامة وإن كانت تمتلك سلطة الموافقة المبدئية في إجراء الصلح، فدورها لا يتجاوز الإقتراح والتوفيق والوساطة، في حين أن سلطة التصديق الفعلي على المحضر، تبقى بود رئيس المحكمة، بمقتضي أمر قضائي غير قابل لأي طعن. ويبرر توزيع الصلاحيات على هذا النحو في سياق تطبيق مسطرة الصلح، طبيعة كل مؤسسة، فالنيابة العامة ذات السيادة على تحريك الدعوى العمومية، وممثلة للحق العام، ومؤسسة رئيس المحكمة الابتدائية سلطة قضائية للفصل في الخصومات.
المطلب الثاني : الشروط التنظيمية للصلح
لا يكفي لصحة اللجوء لمسطرة الصلح بمجرد توافر شروط موضوعية، حسب ما أوضحناه أعلاه، بل يتعين أيضا احترام مجموعة من الشكليات التنظيمية، يبقى أهمها تحرير محضر قانوني للصلح من طرف وكيل الملك، بحضور طرفي الخصومة، وكذا مؤازريهما، ما لم يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن هذه الأحقية، ويتعين أن يشتمل هذا المحضر على المقتضيات التالية:
-تسطير مضمون اتفاق الطرفين بخصوص أطوار الصلح وتفاصيله.
-تذييل المحضر بتوقيع وكيل الملك وأطراف الخصومة الجنائية، مع الإشارة إلى إشعار هؤلاء وكذا دفاعهم بتاريخ الجلسة وبموعد انعقادها.
-في حالة تخلف المتضرر أمام وكيل الملك، ووجود تنازل مكتوب ضمن مستندات الملف، فإن محضر الصلح يجب أن يتضمن مقترحا كتابيا بأداء المشتكى به أو المشتبه فيه صلحا يتمثل في سداد نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة، أو إصلاح الضرر الناتج عن الماله. ويتعين أن يراعي في تحديد مقدار الغرامة خطورة الفعل الجرمي المرتكب ومدى يسر أو عسر الذمة المالية للطرف المجبر على الأداء.
-تحديد حيز زمني مضبوط لتنفيذ الصلح، وهنا تجدر الإشارة أن المشرع المغربي لم يحدد بالضبط الأجل الواجب تنفيذ الصلح خلاله، بل ترك ذلك رهينا بالسلطة التقديرية لمؤسسة رئيس المحكمة.
ومن خلال ما سبق ذكره، تطرح إشكالية بشأن الرقابة التي بسطها رئيس المحكمة على محضر الصلح المقترح من طرف النيابة، لتذييله بموافقته النهائية، فهل تقتصر ماهية هذه الرقابة على الشكلية المستندية الصلح وشروطه القانونية، كالتحقق من طبيعة الفعل الجرمي والجزاء الزجري الموازي له، بمقتضى النص التشريعي المنظم له والغرامة المقترحة، التي يتعين أن تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، أم أن هذه الرقابة يمكنها أن تمتد لمناقشة الفعل الجرمي موضوع الصلح ولو في حالة توافر شروطه القانونية وشكلياته النظامية.
المطلب الثالث : آثار الصلح في المسطرة الجنائية
على غرار باقي المساطر الإجرائية المضمنة بقانون المسطرة الجنائية الحالي، فإن سلوك مسطرة الصلح تترتب عنه مجموعة من الآثار العملية، يبقى اهمها إيقاف الدعوى، وأول ملاحظة تتبادر إلى الذهن ونحن بصدد الحديث عن هذا الأثر، تتمثل في السبب الذي جعل المشرع المغربي يعتمد آليات إيقاف الدعوى العمومية دون سقوطها، وفي هذا الصدد نبادر إلى القول أن ذلك راجع بالأساس إلى الآثار المستقبلية المترتبة عن الصلح نفسه، إذ أخذ المشرع بعين الاعتبار حالة احتمال تملص المطلوب في الشكوى أو المشتبه فيه من تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة داخل الحيز الزمني المحدد لذلك، ما لم يطل هذه الأخيرة التقادم.
ويثور التساؤل في الحالة التي يعمد خلالها المشتكى به أو المشتبه به إلى التنفيذ الفعلي لمجموع الالتزامات المضمنة في محضر الصلح، والمصادق عليها من طرف رئيس المحكمة، فهل يؤدي ذلك إلى انقضاء الدعوى العمومية أم فقط إلى مجرد إيقافها، ونعتقد أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الصواب، والدليل على ذلك أنه يمكن لوكيل الملك إقامة الدعوى العمومية من جديد، بصرف النظر عن الصلح في حالة ظهور عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية.
وإذا كانت إيجابيات مسطرة الصلح مجمع على نجاعتها لدى الأوساط القانونية والحقوقية، باعتبارها تشكل الآلية القانونية الناجعة لمجابهة الكم غير المبرر للقضايا الزجرية البسيطة المعروضة على أنظار المحاكم المغربية، ورأب الصدع الذي يمكن أن بطال العلاقات الاجتماعية بين أطراف الخصومات الجنائية، في أفق تحقيق عدالة تصالحية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف بصدد نوع محدد من القضايا، هم أولى بتقديرها، وتساهم في تخفيف العبء على مؤسسة القضاء.
